عين الشيء الذي حصل تحت، فحينئذ تكون الذات الواحدة قد حصلت دفعة واحدة في أحياز كثيرة، وإن عقل ذلك فلم لا يعقل أيضا حصول الجسم الواحد في أحياز كثيرة دفعة واحدة؟ وهو محال في بديهة العقل. وأما إن قيل: الشيء الذي حصل فوق غير الشيء الذي حصل تحت، فحينئذ يلزم حصول التركيب والتبعيض في ذات الله تعالى وهو محال.
وأما القسم الثاني: وهو أن يقال: أنه تعالى متناه من كل الجهات. فنقول: كل ما كان كذلك فهو قابل للزيادة والنقصان في بديهة العقل، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين، لأجل تخصيص مخصص، وكل ما كان كذلك فهو محدث، وأيضا فإن جاز أن يكون الشيء المحدود من كل الجوانب قديما أزليا فاعلا للعالم، فلم لا يعقل أن يقال: خالق العالم هو الشمس، أو القمر، أو كوكب آخر، وذلك باطل باتفاق.
وأما القسم الثالث: وهو أن يقال: أنه متناه من بعض الجوانب، وغير متناه من سائر الجوانب، فهذا أيضا باطل من وجوه: أحدها: أن الجانب الذي صدق عليه كونه متناهيا غير ما صدق عليه كونه غير متناه، وإلا لصدق النقيضان معا وهو محال. وإذا حصل التغاير لزم كونه تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض، وثانيها: أن الجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه متناهيا، إما أن يكون مساويا للجانب الذي صدق حكم العقل عليه بكونه غير متناه، وإما أن لا يكون كذلك، والأول باطل، لأن الأشياء المتساوية في تمام الماهية كل ما صح على واحد منها صح على الباقي، وإذا كان كذلك: فالجانب للذي هو غير متناه يمكن أن يصير متناهيا، والجانب الذي هو متناه يمكن أن يصير غير متناه، ومتى كان الأمر كذلك كان النمو والذبول والزيادة والنقصان والتفرق والتمزق على ذاته ممكنا، وكل ما كان كذلك فهو محدث، وذلك على الإله القديم محال، فثبت أنه تعالى لو كان حاصلا في الحيز والجهة، لكان إما أن يكون غير متناه من كل الجهات. وإما أن يكون متناهيا من كل الجهات، أو كان متناهيا من بعض الجهات، وغير متناه من سائر الجهات، فثبت أن الأقسام الثلاثة باطلة، فوجب أن نقول القول بكونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة محال.
والبرهان الثالث: لو كان الباري تعالى حاصلا في المكان والجهة، لكان الأمر المسمى بالجهة إما أن يكون موجودا مشارا إليه، وإما أن لا يكون كذلك، والقسمان باطلان، فكان القول بكونه تعالى حاصلا في الحيز والجهة باطلا.
أما بيان فساد القسم الأول: فلأنه لو كان المسمى بالحيز والجهة موجودا مشارا إليه، فحينئذ