وقال بعضهم: بل فعل النبي (ص) بالعرنيين حكم ثابت في نظرائهم أبدا، لم ينسخ ولم يبدل. وقوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله... الآية، حكم من الله فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا بالحرابة. قالوا: والعرنيون ارتدوا وقتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله، فحكمهم غير حكم المحارب الساعي في الأرض بالفساد من أهل الاسلام والذمة.
وقال آخرون: لم يسمل النبي (ص) أعين العرنيين، ولكنه كان أراد أن يسمل، فأنزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه يعرفه الحكم فيهم ونهاه عن سمل أعينهم. ذكر القائلين ما وصفنا:
حدثني علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله (ص) أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله (ص) معاتبة في ذلك، وعلمه عقوبة مثلهم من القطع والقتل والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم. قال: وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو، فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بلى كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنهم السمل.
حدثني محمد بن الحسين، قال: ثني أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: فبعث رسول الله (ص)، فأتي بهم يعني العرنيين فأراد أن يسمل أعينهم، فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم فيهم الحدود كما أنزلها الله عليه.
واختلف أهل العلم في المستحق اسم المحارب لله ورسوله الذي يلزمه حكم هذه، فقال بعضهم: هو اللص الذي يقطع الطريق. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وعطاء الخراساني في قوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا... الآية، قالا: هذا هو اللص الذي يقطع الطريق، فهو محارب.
وقال آخرون: هو اللص المجاهر بلصوصيته، المكابر في المصر وغيره. وممن قال ذلك الأوزاعي.
حدثنا بذلك العباس عن أبيه عنه.