يؤمنون إلا قليلا لما ترك القوم أمر الله، وقتلوا رسله، وكفروا بآياته، ونقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم. طبع الله عليها بكفرهم ولعنهم.
وقال آخرون: بل هو مواصل لما قبله قالوا: ومعنى الكلام: فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، فبنقضهم ميثاقهم، وكفرهم بآيات الله، وبقتلهم الأنبياء بغير حق وبكذا وكذا أخذتهم الصاعقة. قالوا: فتبع الكلام بعضه بعضا، ومعناه مردود إلى أوله. وتفسير ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما فسر به تعالى ذكره من نقضهم الميثاق، وقتلهم الأنبياء، وسائر ما بين من أمرهم الذي ظلموا فيه أنفسهم.
والصواب من القول في ذلك أن قوله: فبما نقضهم ميثاقهم وما بعده منفصل معناه من معنى ما قبله وأن معنى الكلام: فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله، وبكذا وبكذا، لعناهم وغضبنا عليهم، فترك ذكر لعناهم لدلالة قوله: بل طبع الله عليها بكفرهم على معنى ذلك، إذ كان من طبع على قلبه فقد لعن وسخط عليه.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لان الذين أخذتهم الصاعقة إنما كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الأنبياء والذين رموا مريم بالبهتان العظيم، وقالوا: قتلنا المسيح، كانوا بعد موسى بدهر طويل، ولم يدرك الذين رموا مريم بالبهتان العظيم زمان موسى ولا من صعق من قومه. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين أخذتهم الصاعقة لم تأخذهم عقوبة لرميهم مريم بالبهتان العظيم، ولا لقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم. وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن القوم الذين قالوا هذه المقالة، غير الذين عوقبوا بالصاعقة. وإذا كان ذلك كذلك، كان بينا انفصال معنى قوله: فبما نقضهم ميثاقهم من معنى قوله: فأخذتهم الصاعقة بظلمهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: وبكفر هؤلاء الذين وصف صفتهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما يعني: بفريتهم عليها، ورميهم إياها بالزنا، وهو البهتان العظيم لأنهم رموها بذلك وهي مما رموها به بغير ثبت ولا برهان بريئة، فبهتوها بالباطل من القول.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح،