القول في تأويل قوله تعالى: فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير.
يقول جل ثناؤه لهؤلاء اليهود الذين وصفنا صفتهم: قد أعذرنا إليكم، واحتججنا عليكم برسولنا محمد (ص) إليكم، وأرسلناه إليكم، ليبين لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم، كيلا تقولوا لم يأتنا من عندك رسول يبين لنا ما نحن عليه من الضلالة، فقد جاءكم من عندي رسول، يبشر من آمن بي وعمل بما أمرته، وانتهى عما نهيته عنه، وينذر من عصاني وخالف أمري، وأنا القادر على كل شئ، أقدر على عقاب من عصاني وثواب من أطاعني، فاتقوا عقابي على معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولي، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إياي، وتصديقكم بشيري ونذيري، فإني أنا الذي لا يعجزه شئ أراده ولا يفوته شئ طلبه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) *..
وهذا أيضا من الله تعريف لنبيه محمد (ص) قديم بتمادي هؤلاء اليهود في الغي وبعدهم عن الحق وسوء اختبارهم لأنفسهم وشدة خلافهم لأنبيائهم وبطء إنابتهم إلى الرشاد، مع كثرة نعم الله عندهم وتتابع أياديه وآلائه عليه، مسليا بذلك نبيه محمدا (ص) عما يحل به من علاجهم وينزل به من مقاساتهم في ذات الله. يقول الله له (ص): لا تأس على ما أصابك منهم، فإن الذهاب عن الله والبعد من الحق وما فيه لهم الحظ في الدنيا والآخرة من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم، وتعز بما لاقى منهم أخوك موسى (ص)، واذكر إذ قال موسى لهم: يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم يقول: اذكروا أيادي الله عندكم وآلاءه قبلكم. كما:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة: اذكروا نعمة الله عليكم قال: أيادي الله عندكم وأيامه.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: اذكروا نعمة الله عليكم يقول: عافية الله.
وإنما اخترنا ما قلنا، لان الله لم يخصص من النعم شيئا، بل عم ذلك بذكر النعم، فذلك على العافية وغيرها، إذ كانت العافية أحد معاني النعم.
القول في تأويل قوله تعالى: إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا.