القول في تأويل قوله تعالى: ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون.
وهذا قسم من الله جل ثناؤه أقسم به، إن رسله صلوات الله عليهم قد أتت بني إسرائيل الذين قص الله قصصهم وذكر نبأهم في الآيات التي تقدمت من قوله: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم إلى هذا الموضع. بالبينات يعني: بالآيات الواضحة، والحجج البينة على حقية ما أرسلوا به إليهم وصحة ما دعوهم إليه من الايمان بهم وأداء فرائض الله عليهم، يقول الله عز ذكره: ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون يعني أن كثيرا من بني إسرائيل، والهاء والميم في قوله: ثم إن كثيرا منهم من ذكر بني إسرائيل، وكذلك ذلك في قوله: ولقد جاءتهم بعد ذلك، يعني بعد مجيئ رسل الله بالبينات في الأرض. لمسرفون يعني: أنهم في الأرض لعاملون بمعاصي الله، ومخالفون أمر الله ونهيه، ومحادوا الله ورسله، باتباعهم أهواءهم وخلافهم على أنبيائهم وذلك كان إسرافهم في الأرض. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) *..
وهذا بيان من الله عز ذكره عن حكم الفساد في الأرض الذي ذكره في قوله: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض أعلم عباده ما الذي يستحق المفسد في الأرض من العقوبة والنكال، فقال تبارك وتعالى: لا جزاء له في الدنيا إلا القتل والصلب وقطع اليد والرجل من خلاف أو النفي من الأرض، خزيا لهم وأما في الآخرة إن لم يتب في الدنيا فعذاب عظيم.
ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية. فقال بعضهم: نزلت في قوم من أهل الكتاب، كانوا أهل موادعة لرسول الله (ص)، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فعرف الله نبيه (ص) الحكم فيهم. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا