يقول عز ذكره: فمن جحد منكم يا معشر بني إسرائيل شيئا مما أمرته به، فتركه، أو ركب ما نهيته عنه فعمله بعد أخذي الميثاق عليه بالوفاء لي بطاعتي واجتناب معصيتي، فقد ضل سواء السبيل يقول: فقد أخطأ قصد الطريق الواضح، وزل عن منهج السبيل القاصد. والضلال: الركوب على غير هدى وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع.
وقوله: سواء يعني به: وسط السبيل، وقد بينا تأويل ذلك كله في غير هذا الموضع، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) *..
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): يا محمد، لا تعجبن من هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك، ونكثوا العهد الذي بينك وبينهم، غدرا منهم بك وأصحابك، فإن ذلك من عاداتهم وعادات سلفهم ومن ذلك أنى أخذت ميثاق سلفهم على عهد موسى (ص) على طاعتي، وبعثت منهم اثني عشر نقيبا وقد تخيروا من جميعهم ليتجسسوا أخبار الجبابرة، ووعدتهم النصر عليهم، وأن أورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، بعد ما أريتهم من العبر والآيات بإهلاك فرعون وقومه في البحر وفلق البحر لهم وسائر العبر ما أريتم، فنقضوا ميثاقهم الذي واثقوني ونكثوا عهدي، فلعنتهم بنقضهم ميثاقهم فإذا كان ذلك من فعل خيارهم مع أيادي عندهم، فلا تستنكروا مثله من فعل آراذلهم. وفي الكلام محذوف اكتفي بدلالة الظاهر عليه، وذلك أن معنى الكلام: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل، فنقضوا الميثاق، فلعنتهم، فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم، فاكتفى بقوله: فبما نقضهم ميثاقهم من ذكر فنقضوا. ويعني بقوله جل ثناؤه:
فبما نقضهم ميثاقهم فبنقضهم ميثاقهم. كما قال قتادة.
حدثنا كثير قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم يقول: فبنقضهم ميثاقهم لعناهم.