لأمر الله الذي أمركم به من دخول الأرض المقدسة، ولا ترتدوا يقول: لا ترجعوا القهقري مرتدين على أدباركم يعني: إلى ورائكم، ولكن امضوا قدما لأمر الله الذي أمركم به من الدخول على القوم الذين أمركم الله بقتالهم والهجوم عليهم في أرضهم، وأن الله عز ذكره قد كتبها لكم مسكنا وقرارا.
ويعني بقوله: فتنقلبوا خاسرين: أنكم تنصرفوا خائبين هكذا. وقد بينا معنى الخسارة في غير هذا الموضع بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع.
فإن قال قائل: وما كان وجه قيل موسى لقومه إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين؟ أو يستوجب الخسارة من لم يدخل أرضا جعلت له؟
قيل: إن الله عز ذكره كان أمره بقتال من فيها من أهل الكفر به وفرض عليهم دخولها، فاستوجب القوم الخسارة بتركهم. إذا فرض الله عليهم من وجهين: أحدهما تضييع فرض الجهاد الذي كان الله فرضه عليهم. والثاني: خلافهم أمر الله في تركهم دخول الأرض، وقولهم لنبيهم موسى (ص) إذ قال لهم ادخلوا الأرض المقدسة: إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون. كان قتادة يقول في ذلك بما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم أمروا بها كما أمروا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) *..
وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن جواب قوم موسى عليه السلام، إذا أمرهم بدخول الأرض المقدسة، أنهم أبوا عليه إجابة إلى ما أمرهم به من ذلك، واعتلوا عليه في ذلك بأن قالوا: إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها قوما جبارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوة لنا بهم. وسموهم جبارين، لأنهم كانوا بشدة بطشهم وعظيم خلقهم فيما ذكر لنا قد قهروا