النصارى الزاعمين أن المسيح ربهم والقائلين إن الله ثالث ثلاثة: أتعبدون سوى الله الذي يملك ضركم ونفعكم وهو الذي خلقكم ورزقكم وهو يحييكم ويميتكم، شيئا لا يملك لكم شرا ولا نفعا؟ يخبرهم تعالى ذكره أن المسيح الذي زعم من زعم من النصارى أنه إله، والذي زعم من زعم منهم أنه لله ابن، لا يملك لهم ضرا يدفعه عنهم إن أحله الله بهم، ولا نفعا يجلبه إليهم إن لم يقضه الله لهم. يقول تعالى ذكره: فكيف يكون ربا وإلها من كانت هذه صفته؟ بل الرب المعبود الذي بيده كل شئ والقادر على كل شئ، فإياه فاعبدوا وأخلصوا له العبادة دون غيره من العجزة الذين لا ينفعونكم ولا يضرون.
وأما قوله: والله هو السميع العليم فإنه يعني تعالى ذكره بذلك: والله هو السميع لاستغفارهم لو استغفروه من قيلهم ما أخبر عنهم أنهم يقولونه في المسيح، ولغير ذلك من منطقهم ومنطق خلقه، العليم بتوبتهم لو تابوا منه، وبغير ذلك من أمورهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) *..
وهذا خطاب من الله تعالى ذكره لنبيه محمد (ص). يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء الغالية من النصارى في المسيح: يا أهل الكتاب يعني بالكتاب: الإنجيل، لا تغلوا في دينكم يقول: لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل، فتقولوا فيه: هو الله، أو هو ابنه ولكن قولوا: هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا يقول: ولا تتبعوا أيضا في المسيح أهواء اليهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبيل الهدي في القول فيه، فتقولون فيه كما قالوا: هو لغير رشدة، وتبهتوا أمه كما يبهتونها بالفرية، وهي صديقة.
وأضلوا كثيرا يقول تعالى ذكره: وأضل هؤلاء اليهود كثيرا من الناس، فحادوا بهم عن طريق الحق وحملوهم على الكفر بالله والتكذيب بالمسيح. وضلوا عن سواء السبيل يقول: وضل هؤلاء اليهود عن قصد الطريق، وركبوا غير محجة الحق وإنما يعني تعالى ذكره بذلك كفرهم بالله وتكذيبهم رسله عيسى ومحمدا (ص)، وذهابهم عن الايمان وبعدهم منه. وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله به.