(يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما) *..
يعني بقوله جل ثناؤه: يا أيها الناس مشركي العرب، وسائر أصناف الكفر. قد جاءكم الرسول يعنى: محمدا (ص)، قد جاءكم بالحق من ربكم يقول: بالاسلام الذي ارتضاه الله لعباده دينا، يقول: من ربكم: يعني من عند ربكم. فآمنوا خيرا لكم يقول: فصدقوه وصدقوا بما جاءكم به من عند ربكم من الدين، فإن الايمان بذلك خير لكم من الكفر به. وإن تكفروا يقول: وإن تجحدوا رسالته، وتكذبوا به وبما جاءكم به من عند ربكم، فإن جحودكم ذلك وتكذيبكم به لن يضر غيركم، وإنما مكروه ذلك عائد عليكم دون الله الذي أمركم بالذي بعث به إليكم رسوله محمدا (ص)، وذلك أن لله ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا، لا ينقص كفركم بما كفرتم به من أمره، وعصيانكم إياه فيما عصيتموه فيه من ملكه وسلطانه شيئا. وكان الله عليما حكيما يقول: وكان الله عليما بما أنتم صائرون إليه من طاعته فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ومعصيته في ذلك، وعلى علم منه بذلك منكم أمركم ونهاكم. حكيما يعني: حكيما في أمره إياكم بما أمركم به وفي نهيه إياكم عما نهاكم عنه، وفي غير ذلك من تدبيره فيكم وفي غيركم من خلقه.
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله نصب قوله: خيرا لكم فقال بعض نحويي الكوفة: نصب خيرا على الخروج مما قبله من الكلام، لان ما قبله من الكلام قد تم، وذلك قوله: فآمنوا، وقال: قد سمعت العرب تفعل ذلك في كل خبر كان تاما ثم اتصل به كلام بعد تمامه على نحو اتصال خير بما قبله، فتقول: لتقومن خيرا لك، ولو فعلت ذلك خيرا لك، واتق الله خيرا لك. قال: وأما إذا كان الكلام ناقصا، فلا يكون إلا بالرفع كقولك: إن تتق الله خير لك، (وأن تصبروا خير لكم).
وقال آخر منهم: جاء النصب في خير، لان أصل الكلام: فآمنوا هو خير لكم، فلما سقط هو الذي هو مصدر اتصل الكلام بما قبله، والذي قبله معرفة وخير نكرة، فانتصب لاتصاله بالمعرفة، لان الاضمار من الفعل: قم فالقيام خير لك، ولا تقم فترك