قراه، أو نيل بظلم في نفسه أو ماله عنوة من سائر الناس، وكذلك دعاؤه على من ناله بظلم أن ينصره الله عليه، لان في دعائه عليه إعلاما منه لمن سمع دعاءه عليه بالسوء له. وإذ كان ذلك كذلك، ف من في موضع نصب، لأنه منقطع عما قبله، وأنه لا أسماء قبله يستثنى منها، فهو نظير قول: لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر.
وأما قوله: وكان الله سميعا عليما فإنه يعني: وكان الله سميعا لما يجهرون به من سوء القول لمن يجهرون له به، وغير ذلك من أصواتكم وكلامكم، عليما بما تخفون من سوء قولكم وكلامكم لمن تخفون له به، فلا تجهرون له به، محص كل ذلك عليكم حتى يجازيكم على ذلك كله جزاءكم المسئ بإساءته والمحسن بإحسانه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا) *.
يعني بذلك جل ثناؤه إن تبدوا أيها الناس خيرا يقول: إن تقولوا جميلا من القول لمن أحسن إليكم، فتظهروا ذلك شكرا منكم له على ما كان منه من حسن إليكم، أو تخفوه يقول: أو تتركوا إظهار ذلك فلا تبدوه، أو تعفوا عن سوء يقول: أو تصفحوا لمن أساء إليكم عن إساءته، فلا تجهروا له بالسوء من القول الذي قد أذنت لكم أن تجهروا له به. فإن الله كان عفوا يقول: لم يزل ذا عفو عن خلقه، يصفح لهم عمن عصاه وخالف أمره. قديرا يقول: ذا قدرة على الانتقام منهم. وإنما يعني بذلك: أن الله لم يزل ذا عفو عن عباده مع قدرته على عقابهم على معصيتهم إياه. يقول: فاعفوا أنتم أيضا أيها الناس عمن أتى إليكم ظلما، ولا تجهروا له بالسوء من القول وإن قدرتم على الإساءة إليه، كما يعفو عنكم ربكم مع قدرته على عقابكم وأنتم تعصونه وتخالفون أمره. وفي قوله جل ثناؤه: إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا الدلالة الواضحة على أن تأويل قوله: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم بخلاف التأويل الذي تأوله زيد ابن أسلم في زعمه أن معناه: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لأهل النفاق، إلا من أقام على نفاقه، فإنه لا بأس بالجهر له بالسوء من القول. وذلك أنه