يعني جل ثناؤه بقوله: اعدلوا أيها المؤمنون على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه.
وأما قوله: هو أقرب للتقوى فإنه يعني بقوله: هو العدل عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى، يعني: إلى أن تكونوا عند الله باستعمالكم إياه من أهل التقوى، وهم أهل الخوف والحذر من الله أن يخالفوه في شئ من أمره، أو يأتوا شيئا من معاصيه. وإنما وصف جل ثناؤه العدل بما وصف به من أنه أقرب للتقوى من الجور، لان من كان عادلا كان لله بعدله مطيعا، ومن كان لله مطيعا كان لا شك من أهل التقوى، ومن كان جائرا كان لله عاصيا، ومن كان لله عاصيا كان بعيدا من تقواه. وإنما كنى بقوله: هو أقرب عن الفعل، والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها ب " هو " و ب " ذلك "، كما قال جل ثناؤه هو خير لكم وذلكم أزكى لكم ولو لم يكن في الكلام هو لكان أقرب نصبا، ولقيل: اعدلوا أقرب للتقوى، كما قيل انتهوا خيرا لكم.
وأما قوله: واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون فإنه يعني: واحذروا أيها المؤمنون أن تجوروا في عباده، فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الذي بين لكم، فيحل بكم عقوبته، وتستوجبوا منه أليم نكاله. إن الله خبير بما تعملون يقول: إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه من عمل به أو خلاف له، محص ذلكم عليكم كله، حتى يجازيكم به جزاءكم المحسن منكم بإحسانه، والمسئ بإساءته، فاتقوا أن تسيئوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعد الله أيها الناس الذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به من عند ربهم، وعملوا بما واثقهم الله به، وأوفوا بالعقود التي عاقدهم عليها بقولهم: لنسمعن ولنطيعن الله ورسوله. فسمعوا أمر الله ونهيه، وأطاعوه فعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه. ويعني بقوله: لهم