صديقة يقول تعالى ذكره: وأم المسيح صديقة، والصديقة: الفعيلة من الصدق، وكذلك قولهم فلان صديق: فعيل من الصدق، ومنه قوله تعالى ذكره: والصديقين والشهداء. وقد قيل: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه إنما قيل له الصديق لصدقه، وقد قيل: إنما سمي صديقا لتصديقه النبي (ص) في مسيره في ليلة واحدة إلى بيت المقدس من مكة وعوده إليها. وقوله: كانا يأكلان الطعام خبر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمه أنهما كانا أهل حاجة إلى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم. فإن من كان كذلك، فغير كائن إلها لان المحتاج إلى الغذاء قوامه بغيره، وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه دليل واضح على عجزه، والعاجز لا يكون إلا مربوبا لا ربا.
القول في تأويل قوله تعالى: انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): انظر يا محمد كيف نبين لهؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى الآيات، وهي الأدلة والاعلام والحجج على بطول ما يقولون في أنبياء الله، وفي فريتهم على الله، وادعائهم له ولدا، وشهادتهم لبعض خلقه بأنه لهم رب وإله، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قيلهم، ولا ينزجرون عن فريتهم على ربهم وعظيم جهلهم، مع ورود الحجج القاطعة عذرهم عليهم. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ثم انظر يا محمد أنى يؤفكون؟ يقول: ثم انظر مع تبييننا لهم آياتنا على بطول قولهم: أي وجه يصرفون عن بياننا الذي بينته لهم، وكيف عن الهدى الذي نهديهم إليه من الحق يضلون؟ والعرب تقول لكل مصروف عن شئ: هو مأفوك عنه، يقال: قد أفكت فلانا عن كذا: أي صرفته عنه، فأنا آفكه أفكا، وهو مأفوك، وقد أفكت الأرض: إذا صرف عنها المطر. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم) *..
وهذا أيضا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه (ص) على النصارى القائلين في المسيح ما وصف من قيلهم فيه قبل. يقول تعالى ذكره لمحمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء الكفرة من