يعبدونه من دون الله. وقد أتينا على ذكر السبب الذي من أجله اتخذوا العجل وكيف كان أمرهم وأمره فيما مضى بما فيه الكفاية.
وقوله: من بعد ما جاءتهم البينات يعني: من بعد ما جاءت هؤلاء الذين سألوا موسى ما سألوا البينات من الله، والدلالات الواضحات بأنهم لن يروا الله عيانا جهارا.
وإنما عنى بالبينات: أنها آيات تبين عن أنهم لن يروا الله في أيام حياتهم في الدنيا جهرة، وكانت تلك الآيات البينات لهم على أن ذلك كذلك، إصعاق الله إياهم عند مسألتهم موسى أن يريهم ربه جهرة، ثم إحياءه إياهم بعد مماتهم مع سائر الآيات التي أراهم الله دلالة على ذلك. يقول الله مقبحا إليهم فعلهم ذلك وموضحا لعباده جهلهم ونقص عقولهم وأحلامهم:
ثم أقروا للعجل بأنه لهم إله، وهم يرونه عيانا وينظرون إليه جهارا، بعد ما أراهم ربهم من الآيات البينات ما أراهم، أنهم لا يرون ربهم جهرة وعيانا في حياتهم الدنيا، فعكفوا على عبادته مصدقين بألوهته.
وقوله: فعفونا عن ذلك يقول: فعفونا لعبدة العجل عن عبادتهم إياه، وللمصدقين منهم بأنه إلههم، بعد الذي أراهم الله أنهم لا يرون ربهم في حياتهم من الآيات ما أراهم عن تصديقهم بذلك بالتوبة التي تابوها إلى ربهم بقتلهم أنفسهم وصبرهم في ذلك على أمر ربهم. وآتينا موسى سلطانا مبينا يقول: وآتينا موسى حجة تبين عن صدقه وحقية نبوته، وتلك الحجة هي الآيات البينات التي آتاه الله إياها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: ورفعنا فوقهم الطور يعني: الجبل، وذلك لما امتنعوا من العمل بما في التوراة، وقبول ما جاءهم به موسى فيها. بميثاقهم يعني: بما أعطوا الله الميثاق والعهد: لنعملن بما في التوراة. وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا يعني: باب حطة، حين أمروا أن يدخلوا منه سجودا، فدخلوا يزحفون على أستاههم. وقلنا لهم لا