الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة، وخابت صفقتهم وهلكوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم) *..
يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله: يا أيها الذين آمنوا: أي صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم محمد (ص) من يرتد منكم عن دينه يقول: من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم، فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر، فلن يضر الله شيئا، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يقول: فسوف يجئ الله بدلا منهم المؤمنين الذين لم يبدلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا، بقوم خير من الذين ارتدوا وبدلوا دينهم، يحبهم الله ويحبون الله. وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتد بعد وفاة نبيه محمد (ص)، وكذلك وعده من وعد من المؤمنين ما وعده في هذا الآية، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدل ولا يغير دينه ولا يرتد. فلما قبض الله نبيه (ص) ارتد أقوام من أهل الوبر وبعض أهل المدر، فأبدل الله المؤمنين بخير منهم كما قال تعالى ذكره، ووفى للمؤمنين بوعده، وأنفذ فيمن ارتد منهم وعيده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، عن أبي صخر، عن محمد بن كعب: أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوما وعمر أمير المدينة يومئذ، فقال: يا أبا حمزة، آية أسهرتني البارحة قال محمد: وما هي أيها الأمير؟
قال: قول الله: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه... حتى بلغ: ولا يخافون لومة لائم. فقال محمد: أيها الأمير، إنما عنى الله بالذين آمنوا: الولاة من قريش، من يرتد عن الحق.
ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أتى الله بهم المؤمنين وأبدل المؤمنين مكان من ارتد منهم، فقال بعضهم: هو أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة حتى أدخلوهم من الباب الذي خرجوا منه. ذكر من قال ذلك: