في زمان عيسى وموعظة لهم، يقول: وزجرا لهم عما يكرهه الله إلى ما يحبه من الأعمال، وتنبيها لهم عليه. والمتقون: هم الذين خافوا الله وحذروا عقابه، فاتقوه بطاعته فيما أمرهم وحذروه بترك ما نهاهم عن فعله، وقد مضى البيان عن ذلك بشواهده قبل فأغني ذلك عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) *..
اختلفت القراء في قراءة قوله: وليحكم أهل الإنجيل فقرأ قراء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين: وليحكم بتسكين اللام على وجه الامر من الله لأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من أحكامه. وكأن من قرأ ذلك كذلك أراد: وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه.
فيكون في الكلام محذوف ترك استغناء بما ذكر عما حذف.
وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: وليحكم أهل الإنجيل بكسر اللام من ليحكم، بمعنى: كي يحكم أهل الإنجيل. وكأن معنى من قرأ ذلك كذلك: وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وكي يحكم أهله بما فيه من حكم الله. والذي يتراءى في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، فبأي ذلك قرأ قارئ فمصيب فيه الصواب وذلك أن الله تعالى لم ينزل كتابا على نبي من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه، ولم ينزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه، فللعمل بما فيه أنزله، وأمر بالعمل بما فيه أهله. فكذلك الإنجيل، إذ كان من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، فللعمل بما فيه أنزله على عيسى، وأمر بالعمل به أهله. فسواء قرئ على وجه الامر بتسكين اللام أو قرئ على وجه الخبر بكسرها لاتفاق معنييهما. وأما ما ذكر عن أبي بن كعب من قراءته ذلك: وإن أحكم على وجه الامر، فذلك مما لم يصح به النقل عنه، ولو صح أيضا لم يكن في ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه محظورة، إذ كان معناها صحيحا، وكان المتقدمون من أئمة القراء قد قرأوا بها. وإذا كان الامر في ذلك ما بينا، فتأويل الكلام إذا قرئ بكسر اللام من ليحكم: وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل، فيه هدى ونور، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وهدى وموعظة للمتقين، وكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزلنا فيه، فبدلوا حكمه وخالفوه، فضلوا بخلافهم إياه، إذا لم يحكموا بما