يعني جل ثناؤه بقوله: فلا تأس: فلا تحزن، يقال منه: أسي فلان على كذا يأسى أسى، وقد أسيت من كذا: أي حزنت، ومنه قول امرئ القيس:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل يعني: لا تهلك حزنا.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: فلا تأس يقول: فلا تحزن.
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: فلا تأس على القوم الفاسقين قال: لما ضرب عليهم التيه، ندم موسى (ص). فلما ندم أوحى الله إليه: فلا تأس على القوم الفاسقين: لا تحزن على القوم الذين سميتهم فاسقين. القول في تأويل قوله تعالى: * (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) *..
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واتل على هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليكم، عليك وعلى أصحابك معك، وعرفهم مكروه عاقبة الظلم والمكر، وسوء مغبة الجور ونقض العهد، وما جزاء الناكث وثواب الوافي، خبر ابني آدم هابيل وقابيل، وما آل إليه أمر المطيع منهما ربه الوافي بعهده، وما إليه صار أمر العاصي منهما ربه الجائر الناقض عهده فلتعرف بذلك اليهود وخامة غب غدرهم، ونقضهم ميثاقهم بينك وبينهم، وهمهم بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك. فإن لك ولهم في حسن ثوابي وعظم جزائي على الوفاء بالعهد الذي جازيت المقتول الوافي بعهده من ابني آدم، وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلا.