وقوله: وأما الذين استنكفوا واستكبروا فإنه يعني: وأما الذين تعظموا عن الاقرار لله بالعبودة والاذعان له بالطاعة، واستكبروا عن التذلل لألوهته وعبادته وتسليم الربوبية والوحدانية له. فيعذبهم عذابا أليما يعني: عذابا موجعا. ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا يقول: ولا يجد المستنكفون من عبادته والمستكبرون عنها إذا عذبهم الله الأليم من عذابه سوى الله لأنفسهم وليا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه. ولا نصيرا: ولا ناصرا ينصرهم، فيستنقذهم من ربهم، ويدفع عنهم بقوته ما أحل بهم من نقمته، كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنيا في الدنيا بسوء من نصرتهم والمدافعة عنهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) *..
يعني جل ثناؤه بقوله: يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم: يا أيها الناس من جميع أصناف الملل، يهودها ونصاراها ومشركيها، الذين قص الله جل ثناؤه قصصهم في هذه السورة قد جاءكم برهان من ربكم يقول: قد جاءتكم حجة من الله تبرهن لكم بطول ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم ومللكم، وهو محمد (ص)، الذي جعله الله عليكم حجة قطع بها عذركم، وأبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم، مع تعريفه إياكم صحة نبوته وتحقيق رسالته. وأنزلنا إليكم نورا مبينا يقول: وأنزلنا إليكم معه نورا مبينا، يعني:
يبين لكم المحجة الواضحة والسبل الهادية إلى ما فيه لكم النجاة من عذاب الله وأليم عقابه إن سلكتموها واستنرتم بضوئه. وذلك النور المبين هو القرآن الذي أنزله الله على محمد (ص).
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: برهان من ربكم قال: حجة.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم: أي بينة من ربكم، وأنزلنا إليكم نورا مبينا، وهو هذا القرآن.