مغفرة: لهؤلاء الذين وفوا بالعقود والميثاق الذي واثقهم به ربهم مغفرة، وهي ستر ذنوبهم السالفة منهم عليهم، وتغطيتها بعفوه لهم عنها، وتركه عقوبتهم عليها وفضيحتهم بها. وأجر عظيم يقول: ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السالفة منهم جزاء على أعمالهم التي عملوها ووفائهم بالعقود التي عاقدوا ربهم عليها أجر عظيم، والعظيم من خير غير محدود مبلغه ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره.
فإن قال قائل: إن الله جل ثناؤه أخبر في هذه الآية أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولم يخبر بما وعدهم، فأين الخبر عن الموعود؟ قيل: بلى، إنه قد أخبر عن الموعود، والموعود هو قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم.
فإن قال قائل: فإن قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم خبر مبتدأ، ولو كان هو الموعود لقيل: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما، ولم يدخل في ذلك لهم، وفي دخول ذلك فيه دلالة على ابتداء الكلام، وانقضاء الخبر عن الوعد؟ قيل: إن ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت فإنه مما اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه من ذكر بعض قد ترك ذكره فيه، وذلك أن معنى الكلام: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يغفر لهم، ويأجرهم أجرا عظيما لان من شأن العرب أن يصحبوا الوعد أن يعملوه فيها، فتركت أن إذ كان الوعد قولا، ومن شأن القول أن يكون ما بعده من جمل الاخبار مبتدأ وذكر بعده جملة الخبر اجتزاء بدلالة ظاهر الكلام على معناه وصرفا للوعد الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفا إلى معناه، فكأنه قيل: قال الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجر عظيم. وكان بعض نحويي البصرة يقول: إنما قيل:
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم الوعد الذي وعدوا، فكان معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول: وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) *..
يعني بقوله جل ثناؤه: والذين كفروا: والذين جحدوا وحدانية الله، ونقضوا ميثاقه وعقوده التي عاقدوها إياه. وكذبوا بآياتنا يقول: وكذبوا بأدلة الله وحججه الدالة على وحدانيته التي جاءت بها الرسل وغيرها. أولئك أصحاب الجحيم يقول: هؤلاء