وإذا كان الامر من الجارح على نحو ما كان من عروة من خطأ فعل على غير عمد ثم اعترف للذي أصابه بما أصابه فعفا له المصاب بذلك عن حقه قبله، فلا تبعة له حينئذ قبل المصيب في الدنيا ولا في الآخرة لان الذي كان وجب له قبله مال لا قصاص وقد أبرأه منه، فإبراؤه منه كفارة له من حقه الذي كان له أخذه به، فلا طلبة له بسبب ذلك قبله في الدنيا ولا في الآخرة، ولا عقوبة تلزمه بها بما كان منه من أصابه، لأنه لم يتعمد إصابته بما أصابه به فيكون بفعله إنما يستحق به العقوبة من ربه لان الله عز وجل قد وضع الجناح عن عباده فيما أخطئوا فيه ولم يتعمدوه من أفعالهم، فقال في كتابه: لا جناح عليكم فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم. وقد يراد في هذا الموضع بالدم: العفو عنه.
القول في تأويل قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.
يقول تعالى ذكره: ومن لم يحكم بما أنزل الله في التوارة من قود النفس القائلة قصاصا بالنفس المقتولة ظلما. ولم يفقأ عين الفاقئ بعين المفقوءة ظلما قصاصا ممن أمره الله به بذلك في كتابه، ولكن أقاد من بعض ولم يقد من بعض، أو قتل في بعض اثنين بواحد، وإن من يفعل ذلك من الظالمين، يعني ممن جاء على حكم الله ووضع فعله ما فعل من ذلك في غير موضعه الذي جعله الله له موضعا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين) *..
يعني تعالى ذكره بقوله: وقفينا على آثارهم أتبعنا، يقول: أتبعنا عيسى ابن مريم على آثار النبيين الذين أسلموا من قبلك يا محمد، فبعثناه نبيا مصدقا لكتابنا الذي أنزلناه إلى موسى من قبله أنه حق وأن العمل بما لم ينسخه الإنجيل منه فرض واجب. وآتيناه الإنجيل يقول: وأنزلنا إليه كتابنا الذي اسمه الإنجيل. فيه هدى ونور يقول: في الإنجيل هدى، وهو بيان ما جهله الناس من حكم الله في زمانه، ونور يقول: وضياء من عمي الجهالة، ومصدقا لما بين يديه يقول: أوحينا إليه ذلك، وأنزلناه إليه بتصديق ما كان قبله من كتب الله التي كان أنزلها على كل أمة أنزل إلى نبيها كتاب للعمل بما أنزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب من تحليل ما حلل وتحريم ما حرم. وهدى وموعظة يقول: أنزلنا الإنجيل إلى عيسى مصدقا للكتب التي قبله، وبيانا لحكم الله الذي ارتضاه لعباده المتقين