في سودان عرينة، قال: أتوا رسول الله (ص) وبهم الماء الأصفر، فشكوا ذلك إليه، فأمرهم فخرجوا إلى إبل رسول الله (ص) من الصدقة، فقال: اشربوا من ألبانها وأبوالها.
فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى إذا صحوا وبرأوا، قتلوا الرعاة واستاقوا الإبل.
وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيه (ص) معرفة حكمه على من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، بعد الذي كان من فعل رسول الله (ص) بالعرنيين ما فعل.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لان القصص التي قصها الله وجل وعز قبل هذه الآية وبعدها من قصص بني إسرائيل وأنبائهم، فأن يكون ذلك متوسطا من يعرف الحكم فيهم وفي نظرائهم، أولى وأحق. وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعل رسول الله (ص) بالعرنيين ما فعل لتظاهر الاخبار عن أصحاب رسول الله (ص) بذلك. وإذ كان ذلك أولى بالآية لما وصفنا، فتأويلها: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو سعى بفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات، ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون، يقول: لساعون في الأرض بالفساد، وقاتلوا النفوس بغير نفس وغير سعي في الأرض بالفساد حرب الله ولرسوله، فمن فعل ذلك منهم يا محمد، فإنما جزاؤه أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده، ومن قولك إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الاسلام دون أهل الحرب من المشركين؟ قيل: جاز أن يكون ذلك كذلك، لان حكم من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل ذمتنا وملتنا واحد، والذين عنوا بالآية كانوا أهل عهد وذمة، وإن كان داخلا في حكمها كل ذمي وملي، وليس يبطل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس أن يكون صحيحا نزولها فيمن نزلت فيه.
وقد اختلف أهل العلم في نسخ حكم النبي (ص) في العرنيين، فقال بعضهم: ذلك حكم منسوخ، نسخه نهيه عن المثلة بهذه الآية، أعني بقوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا... الآية، وقالوا: أنزلت هذه الآية عتابا لرسول الله (ص) فيما فعل بالعرنيين.