القول في تأويل قوله تعالى: إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا.
يعني بقوله: إنما الله إله واحد: ما الله أيها القائلون: الله ثالث ثلاثة كما تقولون، لان من كان له ولد فليس بإله، وكذلك من كان له صاحبة فغير جائز أن يكون إلها معبودا، ولكن الله الذي له الألوهة والعبادة، إله واحد معبود، لا ولد له، ولا والد، ولا صاحبة، ولا شريك. ثم نزه جل ثناؤه نفسه وعظمها ورفعها عما قال فيه أعداؤه الكفرة به، فقال:
سبحانه أن يكون له ولد يقول: علا الله وجل وعز وتعظم وتنزه عن أن يكون له ولد أو صاحبة. ثم أخبر جل ثناؤه عباده أن عيسى وأمه، ومن في السماوات ومن في الأرض، عبيده، وملكه، وخلقه، وأنه رازقهم وخالقهم، وأنهم أهل حاجة وفاقة إليه، احتجاجا منه بذلك على من ادعى أن المسيح ابنه، وأنه لو كان ابنه كما قالوا لم يكن ذا حاجة إليه، ولا كان له عبدا مملوكا، فقال: له ما في السماوات وما في الأرض يعني: لله ما في السماوات وما في الأرض من الأشياء كلها، ملكا وخلقا، وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبرهم، فكيف يكون المسيح ابنا لله وهو في الأرض أو في السماوات غير خارج من أن يكون في بعض هذه الأماكن وقوله: وكفى بالله وكيلا يقول: وحسب ما في السماوات وما في الأرض بالله قيما ومدبرا ورازقا، من الحاجة معه إلى غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) *.
يعني جل ثناؤه بقوله: لن يستنكف المسيح: لن يأنف ولن يستكبر المسيح أن يكون عبدا لله يعني: من أن يكون عبدا لله. كما:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون: لن يحتشم المسيح أن يكون عبد الله ولا الملائكة.
وأما قوله: ولا الملائكة المقربون فإنه يعني: ولن يستنكف أيضا من الاقرار لله بالعبودية، والاذعان له بذلك رسله المقربون الذين قربهم الله ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه.