يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين جحدوا يا محمد نبوتك بعد علمهم بها من أهل الكتاب الذين اقتصصت عليك قصتهم، وأنكروا أن يكون الله جل ثناؤه أوحى إليك كتابه، وصدوا عن سبيل الله يعني عن الدين الذي بعثك الله به إلى خلقه وهو الاسلام. وكان صدهم عنه: قيلهم للناس الذين يسألونهم عن محمد من أهل الشرك: ما نجد صفة محمد في كتابنا، وادعاءهم أنهم عهد إليهم أن النبوة لا تكون إلا في ولد هارون ومن ذرية داود، وما أشبه ذلك من الأمور التي كانوا يثبطون الناس بها عن اتباع رسول الله (ص) والتصديق به وبما جاء به من عند الله. وقوله: قد ضلوا ضلالا بعيدا يعني: قد جاروا عن قصد الطريق جورا شديدا، وزالوا عن المحجة. وإنما يعني جل ثناؤه بجورهم عن المحجة، وضلالهم عنها: إخطاءهم دين الله الذي ارتضاه لعباده وابتعث به رسله، يقول: من جحد رسالة محمد (ص) وصد عما بعث به من الملة من قبل منه، فقد ضل فذهب عن الدين الذي هو دين الله الذي ابتعث به أنبياءه ضلالا بعيدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ئ إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا) *..
يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين جحدوا رسالة محمد (ص)، وكفروا بالله بجحود ذلك وظلموا بمقامهم على الكفر، على علم منهم بظلمهم عباد الله، وحسدا للعرب، وبغيا على رسوله محمد (ص)، لم يكن الله ليغفر لهم يعني: لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها. ولا ليهديهم طريقا يقول: ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدى هؤلاء الذين كفروا وظلموا، الذين وصفنا صفتهم، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة، ولكنه يخذلهم عن ذلك، حتى يسلكوا طريق جهنم. وإنما كني بذكر الطريق عن الدين وإنما معنى الكلام: لم يكن الله ليوفقهم للاسلام، ولكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم، وهو الكفر، يعني: حتى يكفروا بالله ورسله، فيدخلوا جهنم خالدين فيها أبدا، يقول: مقيمين فيها أبدا. وكان ذلك على الله يسيرا يقول: وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم على الله يسيرا، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه، ولا له أحد يمنعه منه، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به، من ذلك، وكان ذلك على الله يسيرا، لان الخلق خلقه، والامر أمره. القول في تأويل قوله تعالى: *