فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصا؟ قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون. وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به، هو بالله كافر، كما قال ابن عباس لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *..
يقول تعالى ذكره: وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك يا محمد، وعندهم التوراة فيها حكم الله. ويعني بقوله: كتبنا: فرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النفس إذا قتلت نفسا بغير حق بالنفس، يعني: أن تقتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة. والعين بالعين يقول: وفرضنا عليهم فيها أن يفقأوا العين التي فقأ صاحبها مثلها من نفس أخرى بالعين المفقوءة، ويجدع الانف بالأنف، ويقطع الاذن بالاذن، ويقلع السن بالسن، ويقتص من الجارح غيره ظلما للمجروح. وهذا إخبار من الله تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) عن اليهود، وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم به بعد إقراره بنبوته وإدباره عنه بعد إقباله، وتعريف منه له جرأتهم قديما وحديثا على ربهم وعلى رسل ربهم وتقدمهم على كتاب الله بالتحريف والتبديل يقول تعالى ذكره له: وكيف يرضى هؤلاء اليهود يا محمد بحكمك إذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة التي يقرون بها أنها كتابي ووحي إلى رسولي موسى (ص) فيها حكمي بالرجم على الزناة المحصنين، وقضائي بينهم أن من قتل نفسا ظلما فهو بها قود، ومن فقأ عينا بغير حق فعينه بها مفقوءة قصاصا، ومن جدع أنفا فأنفه به مجدوع، ومن قلع سنا فسنه بها مقلوعة، ومن جرح غيره جرحا فهو مقتص منه مثل الجرح الذي جرحه، ثم هم مع الحكم الذي عنده في التوراة من أحكامي يتولون عنه ويتركون العمل به يقول:
فهم بترك حكمك وبسخط قضائك بينهم أحرى وأولى.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: