أنزل الله فيه وخالفوه. (فأولئك هم الفاسقون) يعنى: الخارجين عن أمر الله فيه، المخالفين له فيما أمرهم ونهاهم في كتابه. فأما إذا قرئ بتسكين اللام، فتأويله: وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل، فيه هدى ونور، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزلنا فيه، فلم يطيعونا في أمرنا إياهم بما أمرناهم به فيه، ولكنهم خالفوا أمرنا، فالذين خالفوا أمرنا الذي أمرناهم به فيه هم الفاسقون. وكان ابن زيد يقول:
الفاسقون في هذا الموضع وفي غيره: هم الكاذبون.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال: ومن لم يحكم من أهل الإنجيل أيضا بذلك، فأولئك هم الفاسقون قال:
الكاذبون بهذا. قال: وقال ابن زيد: كل شئ في القرآن إلا قليلا فاسق فهو كاذب وقرأ قول الله: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ قال: الفاسق ههنا: كاذب.
وقد بينا معنى الفسق بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) *..
وهذا خطاب من الله تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، يقول تعالى ذكره: وأنزلنا إليك يا محمد الكتاب، وهو القرآن الذي أنزله عليه. ويعني بقوله: بالحق: بالصدق، ولا كذب فيه، ولا شك أنه من عند الله. مصدقا لما بين يديه من الكتاب يقول: أنزلناه بتصديق ما قبله من كتب الله التي أنزلها إلى أنبيائه. ومهيمنا عليه يقول: أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد مصدقا للكتب قبله، وشهيدا عليها أنها حق من عند الله، أمينا