الحكم، كما وصفهم الله به في قوله: وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة. فعاقبهم الله على جميع ذلك بتحريمه ما حرم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالا قبل ذلك. وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل بأنهم أكلوه بغير استحقاق وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب، فقوله: وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما يعني: وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد من هؤلاء اليهود العذاب الأليم، وهو الموجع من عذاب جهنم، عدة يصلونها في الآخرة، إذا وردوا على ربهم فيعاقبهم بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) *.
هذا من الله جل ثناؤه استثناء، استثنى من أهل الكتاب من اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات التي مضت من قوله: يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ثم قال جل ثناؤه لعباده، مبينا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده: ما كل أهل الكتاب صفتهم الصفة التي وصفت لكم، لكن الراسخون في العلم منهم وهم الذين قد رسخوا في العلم بأحكام الله التي جاءت بها أنبياؤه، وأتقنوا ذلك، وعرفوا حقيقته. وقد بينا معنى الرسوخ في العلم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
والمؤمنون يعني: والمؤمنون بالله ورسله، وهم يؤمنون بالقرآن الذي أنزل الله إليك يا محمد، وبالكتب التي أنزلها على من قبلك من الأنبياء والرسل، ولا يسألونك كما سأل هؤلاء الجهلة منهم أن تنزل عليهم كتابا من السماء، لأنهم قد علموا بما قرأوا من كتب الله وأتتهم به أنبياؤهم، أنك لله رسول واجب عليهم اتباعك، لا يسعهم غير ذلك، فلا حاجة بهم إلى أن يسألوك آية معجزة، ولا دلالة غير الذي قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في