جل ثناؤه قال عقيب ذلك: إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء ومعقول أن الله جل ثناؤه لم يأمر المؤمنين بالعفو عن المنافقين على نفاقهم، ولا نهاهم أن يسموا من كان منهم معلن النفاق منافقا، بل العفو عن ذلك مما لا وجه له معقول، لان العفو المفهوم إنما هو صفح المرء عما له قبل غيره من حق، وتسمية المنافق باسمه ليس بحق لاحد قبله فيؤمر بعفوه عنه، وإنما هو اسم له، وغير مفهوم الامر بالعفو عن تسمية الشئ بما هو اسمه.
القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ئ أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين يكفرون بالله ورسله من اليهود والنصارى، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن يكذبوا رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه بوحيه، ويزعمون أنهم افتروا على ربهم، وذلك هو معنى إرادتهم التفريق بين الله ورسله، بنحلتهم إياهم الكذب والفرية على الله، وادعائهم عليهم الأباطيل. ويقولون نؤمن ببعض يعني أنهم يقولون: نصدق بهذا ونكذب بهذا، كما فعلت اليهود من تكذيبهم عيسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم، وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدا (ص) وتصديقهم بعيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم.
ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا يقول: ويريد المفرقون بين الله ورسله، الزاعمون أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، أن يتخذوا بين أضعاف قولهم: نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، سبيلا: يعني طريقا إلى الضلالة التي أحدثوها والبدعة التي ابتدعوها، يدعون أهل الجهل من الناس إليه. فقال جل ثناؤه لعباده، منبها لهم على ضلالتهم وكفرهم: أولئك هم الكافرون حقا يقول: أيها الناس هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقا، فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنكم في أمرهم انتحالهم الكذب ودعواهم أنهم يقرون بما زعموا أنهم به مقرون من الكتب والرسل، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كذبة. وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل، هو المصدق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن وأما من صدق ببعض ذلك وكذب ببعض، فهو لنبوة من كذب