إحياؤه لرأي عينه حتى أبصره ببصره، فلما رأى ذلك قال: * (أعلم أن الله على كل شئ قدير) * وكان سبب قيله ذلك كالذي:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمن لا يتهم، عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول: قال الله لإرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل: يا إرميا من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك، ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهرتك، ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك، ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك، ولأمر عظيم اجتبيتك، فبعث الله تعالى ذكره إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدده ويرشده، ويأتيه بالخبر من الله فيما بينه وبينه، قال: ثم عظمت الاحداث في بني إسرائيل، وركبوا المعاصي، واستحلوا المحارم، ونسوا ما كان الله صنع بهم، وما نجاهم من عدوهم سنحاريب، فأوحى الله إلى إرميا: أن ائت قومك من بني إسرائيل، فاقصص عليهم ما آمرك به، وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم، ثم ذكر ما أرسل الله به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل، قال: ثم أوحى الله إلى إرميا: إني مهلك بني إسرائيل بيافث، ويافث أهل بابل، وهم من ولد يافث بن نوح، فلما سمع إرميا وحي ربه، صاح وبكى وشق ثيابه، ونبذ الرماد على رأسه، فقال: ملعون يوم ولدت فيه، ويوم لقيت التوراة، ومن شر أيامي يوم ولدت فيه، فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو شر علي، لو أراد بي خيرا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل، فمن أجلي تصيبهم الشقوة والهلاك، فلما سمع الله تضرع الخضر وبكاءه وكيف يقول: ناداه: إرميا أشق عليك ما أوحيت إليك؟ قال: نعم يا رب أهلكني في بني إسرائيل ما لا أسر به، فقال الله: وعزتي العزيزة لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتى يكون الامر من قبلك في ذلك، ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربه، وطابت نفسه، وقال: لا والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق، لا آمر ربي بهلاك بني إسرائيل أبدا، ثم أتى ملك بني إسرائيل، وأخبره بما أوحى الله إليه، ففرح واستبشر، وقال: إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا، وإن عفا عنا فبقدرته، ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية، وتمادوا في الشر، وذلك حين اقترب هلاكهم، فقل الوحي، حتى لم يكونوا يتذكرون الآخرة، وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنيا وشأنها، فقال ملكهم:
يا بني إسرائيل انتهوا عما أنتم عليه قبل أن يمسكم بأس من الله، وقبل أن يبعث عليكم ملوك