ولو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتد عليهم غضبي، وصبرت لهم ورجوتهم، ولكن غضبت اليوم لله ولك، فأتيتك لأخبرك خبرهم، وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت عليهم ربك أن يهلكهم، فقال إرميا: يا مالك السماوات والأرض، إن كانوا على حق وصواب فأبقهم، وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه، فأهلكهم، فلما خرجت الكلمة من في إرميا أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس، فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها، فلما رأى ذلك إرميا صاح وشق ثيابه، ونبذ الرماد على رأسه، فقال: يا ملك السماء، ويا أرحم الراحمين أين ميعادك الذي وعدتني؟ فنودي إرميا إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولنا، فاستيقن النبي (ص) أنها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات، وأنه رسول ربه، فطار إرميا حتى خالط الوحوش، ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس، فوطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم، وخرب بيت المقدس، ثم أمر جنوده أن يملا كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس، فقذفوا فيه التراب حتى ملؤه، ثم انصرف راجعا إلى أرض بابل، واحتمل معه سبايا بني إسرائيل، وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم، فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل، فاختار منهم تسعين ألف صبي، فلما خرجت غنائم جنده، وأراد أن يقسمهم فيهم، قالت له الملوك الذين كانوا معه: أيها الملك، لك غنائمنا كلها، وأقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل، ففعل، فأصاب كل واحد منهم أربعة غلمة، وكان من أولئك الغلمان: دانيال، وعزاريا، ومسايل، وحنانيا. وجعلهم بختنصر ثلاث فرق: فثلثا أقر بالشام، وثلثا سبا، وثلثا قتل، وذهب بأسبية بيت المقدس حتى أقدمها بابل وبالصبيان التسعين الألف حتى أقدمهم بابل، فكانت هذه الواقعة الأولى التي ذكر الله تعالى ذكره نبي الله بأحداثهم وظلمهم، فلما ولى بختنصر عنه راجعا إلى بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل، أقبل إرميا على حمار له معه عصير من عنب في زكرة وسلة تين، حتى أتى إيليا، فلما وقف عليها، ورأى ما بها من الخراب دخله شك، فقال: * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام) * وحماره وعصيره وسلة تينه عنده حيث أماته الله، ومات حماره معه، فأعمى الله عنه العيون، فلم يره أحد، ثم بعثه الله تعالى، فقال له: * (كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم
(٤٨)