يعني تعالى ذكره بقوله: * (ثم بعثه) * ثم أثاره حيا من بعد مماته. وقد دللنا على معنى البعث فيما مضى قبل.
وأما معنى قوله: * (كم لبثت) * فإن كم استفهام في كلام العرب عن مبلغ العدد، وهو في هذا الموضع نصب بلبثت، وتأويله: قال الله له: كم قدر الزمان الذي لبثت ميتا قبل أن أبعثك من مماتك حيا؟ قال المبعوث بعد مماته: لبثت ميتا إلى أن بعثتني حيا يوما واحدا أو بعض يوم. وذكر أن المبعوث هو إرميا أو عزير، أو من كان ممن أخبر الله عنه هذا الخبر. وإنما قال: * (لبثت يوما أو بعض يوم) * لان الله تعالى ذكره كان قبض روحه أول النهار، ثم رد إليه روحه آخر النهار بعد المائة عام فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما، وهو يرى أن الشمس قد غربت فكان ذلك عنده يوما لأنه ذكر أنه قبض روحه أول النهار وسئل عن مقدار لبثه ميتا آخر النهار وهو يرى أن الشمس قد غربت، فقال: لبثت يوما، ثم رأى بقية من الشمس قد بقيت لم تغرب، فقال: أو بعض يوم، بمعنى: بل بعض يوم، كما قال تعالى ذكره: * (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) * بمعنى: بل يزيدون. فكان قوله:
* (أو بعض يوم) * رجوعا منه عن قوله: * (لبثت يوما) *.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: * (ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم) * قال: ذكر لنا أنه مات ضحى، ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس، فقال: لبثت يوما. ثم التفت فرأى بقية من الشمس، فقال: أو بعض يوم. فقال:
بل لبثت مائة عام.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: * (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) * قال: مر على قرية فتعجب، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها! فأماته الله أول النهار، فلبث مائة عام، ثم بعثه في آخر النهار، فقال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام.
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: قال