* (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) * فكان القوم لما سألوا المائدة، فكانت جرابا ينزل عليه أينما كانوا ثمرا من ثمار الجنة، فأمر القوم أن لا يخونوا فيه، ولا يخبئوا، ولا يدخروا لغد، بلاء ابتلاهم الله به، فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئا أنبأهم به عيسى ابن مريم، فقال: * (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) *.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: * (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون) * قال: أنبئكم بما تأكلون من المائدة، وما تدخرون منها. قال: فكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا، فادخروا وخانوا، فجعلوا خنازير حين ادخروا وخانوا، فذلك قوله: * (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) *. قال ابن يحيى: قال عبد الرزاق: قال معمر، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار بن ياسر ذلك.
وأصل يدخرون من الفعل يفتعلون، من قول القائل: ذخرت الشئ بالذال، فأنا أذخره، ثم قيل: يدخر كما قيل: يدكر، من ذكرت الشئ، يراد به يذتخر، فلما اجتمعت الذال والتاء وهما متقاربتا المخرج، ثقل إظهارهما على اللسان، فأدغمت إحداهما في الأخرى وصيرتا دالا مشددة صيروها عدلا بين الذال والتاء، ومن العرب من يغلب الذال على التاء فيدغم التاء في الذال، فيقول: وما تذخرون وهو مذخر لك، وهو مذكر، واللغة التي بها القراءة الأولى، وذلك إدغام الذال في التاء، وإبدالهما دالا مشددة لا يجوز القراءة بغيرها لتظاهر النقل من القراء بها، وهي اللغة الجودي، كما قال زهير:
إن الكريم الذي يعطيك نائله * عفوا ويظلم أحيانا فيظلم يروى بالظاء، يريد: فيفتعل من الظلم، ويروى بالطاء أيضا.