عن الآية ما هي، فقال: * (أني أخلق لكم) *. فتأويل الكلام: ورسولا إلى بني إسرائيل بأني قد جئتكم بآية من ربكم بأن أخلق لكم من الطين كهيئة الطير. والطير جمع طائر.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض أهل الحجاز: كهيئة الطائر فأنفخ فيه فيكون طائرا، على التوحيد. وقرأه آخرون: * (كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا) * على الجماع كليهما.
وأعجب القراءات إلي في ذلك قراءة من قرأ: * (كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا) * على الجماع فيهما جميعا، لان ذلك كان من صفة عيسى أنه يفعل ذلك بإذن الله، وأنه موفق لخط المصحف، واتباع خط المصحف مع صحة المعنى، واستفاضة القراءة به أعجب إلي من خلاف المصحف.
وكان خلق عيسى: ما كان يخلق من الطير. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا ابن إسحاق: أن عيسى صلوات الله عليه، جلس يوما مع غلمان من الكتاب، فأخذ طينا، ثم قال: أجعل لكم من هذا الطين طائرا؟ قالوا: وتستطيع ذلك؟ قال: نعم بإذن ربي! ثم هيأه حتى إذا جعله في هيئة الطائر نفخ فيه، ثم قال: كن طائرا بإذن الله! فخرج يطير بين كفيه، فخرج الغلمان بذلك من أمره فذكروه لمعلمهم، فأفشوه في الناس. وترعرع. فهمت به بنو إسرائيل، فلما خافت أمه عليه حملته على حمير لها ثم خرجت به هاربة.
وذكر أنه لما أراد أن يخلق الطير من الطين سألهم: أي الطير أشد خلقا؟ فقيل له الخفاش. كما:
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:
قوله: * (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) * قال: أي الطير أشد خلقا؟ قالوا: الخفاش إنما هو لحم، قال ففعل.
فإن قال قائل: وكيف قيل: * (فأنفخ فيه) * وقد قيل: * (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) *؟ قيل: لان معنى الكلام: فأنفخ في الطير. ولو كان ذلك: فأنفخ فيها، كان صحيحا