القول في تأويل قوله جل ثناؤه: * (وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) *. وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء الله، يدعو لهم، فيستجيب له.
كما:
حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما صار عيسى ابن اثنتي عشرة سنة، أوحى الله إلى أمه وهي بأرض مصر، وكانت هربت من قومها حين ولدته إلى أرض مصر أن اطلعي به إلى الشام، ففعلت الذي أمرت به فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة، وكانت نبوته ثلاث سنين، ثم رفعه الله إليه. قال: وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا، من أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يمشي إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله.
وأما قوله: * (وأنبئكم بما تأكلون) * فإنه يعني: وأخبركم بما تأكلونه مما لم أعاينه وأشاهده معكم في وقت أكلكموه. * (وما تدخرون) *. يعني بذلك: وما ترفعونه فتخبئونه ولا تأكلونه، يعلمهم أن من حجته أيضا على نبوته - مع المعجزات التي أعلمهم أنه يأتي بها حجة على نبوته وصدقه في خبره، أن الله أرسله إليهم: من خلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، التي لا يطيقها أحد من البشر، إلا من أعطاه الله ذلك، علما له على صدقه، وآية له على حقيقة قوله من أنبيائه ورسله، ومن أحب من خلقه - إنباءه عن الغيب الذي لا سبيل لاحد من البشر الذين سبيلهم سبيله عليه.
فإن قال قائل: وما كان في قوله لهم: * (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) * من الحجة له على صدقه، وقد رأينا المتنجمة والمتكهنة تخبر بذلك كثيرا فتصيب؟ قيل:
إن المتنجم والمتكهن معلوم منهما عند من يخبره بذلك أنهما ينبئان به عن استخراج له ببعض الأسباب المؤدية إلى علمه، ولم يكن ذلك كذلك من عيسى صلوات الله عليه، ومن سائر أنبياء الله ورسله، وإنما كان عيسى يخبر به عن غير استخراج ولا طلب لمعرفته باحتيال، ولكن ابتداء باعلام الله إياه من غير أصل تقدم ذلك، احتذاه، أو بنى عليه أو فزع إليه، كما يفزع المتنجم إلى حسابه، والمتكهن إلى رئيه، فذلك هو الفصل بين علم