كمهت عيناه حتى ابيضتا * فهو يلحى نفسه لما نزع ومنه قول رؤبة:
هرجت فارتد ارتداد الأكمه * في غائلات الحائر المتهته وإنما أخبر الله عز وجل عن عيسى صلوات الله عليه، أنه يقول ذلك لبني إسرائيل، احتجاجا منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوته، وذلك أن الكمه والبرص لا علاج لهما، فيقدر على إبرائه ذو طب بعلاج، فكان ذلك من أدلته على صدق قيله، إنه لله رسول، لأنه من المعجزات مع سائر الآيات التي أعطاه الله إياها دلالة على نبوته. فأما ما قال عكرمة، من أن الكمه: العمش، وما قاله مجاهد: من أنه سوء البصر بالليل، فلا معنى لهما، لان الله لا يحتج على خلقه بحجة تكون لهم السبيل إلى معارضته فيها، ولو كان مما احتج به عيسى على بني إسرائيل في نبوته أنه يبرئ الأعمش، أو الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل لقدروا على معارضته بأن يقولوا: وما في هذا لك من الحجة، وفينا خلق مما يعالج ذلك وليسوا لله أنبياء ولا رسلا، ففي ذلك دلالة بينة على صحة ما قلنا من أن الأكمه: هو الأعمى الذي لا يبصر شيئا لا ليلا ولا نهارا، وهو بما قال قتادة: من أنه المولود كذلك أشبه، لان علاج مثل ذلك لا يدعيه أحد من البشر، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى، وكذلك علاج الأبرص.