ومعنى ذلك عندي: (أنه وصف نفسه بالحياة الدائمة التي لا فناء لها ولا انقطاع، ونفى عنها ما هو حال يكل ذي حياة من خلقه، من الفناء، وانقطاع الحياة عند مجئ أجله، فأخبر عباده أنه المستوجب على خلقه العبادة والألوهة، والحي الذي لا يموت، ولا يبيد كما يموت كل من اتخذ من دونه ربا، ويبيد كل من ادعى من دونه إلها، واحتج على خلقه بأن من كان يبيد فيزول ويموت فيفنى، فلا يكون إلها يستوجب أن يعبد دون الاله الذي لا يبيد ولا يموت، وأن الاله: هو الدائم الذي لا يموت ولا يبيد ولا يفنى، وذلك الله الذي لا إله إلا هو القول في تأويل قوله تعالى: * (القيوم) *. قد ذكرنا اختلاف القراءة في ذلك والذي نختار منه، وما العلة التي من أجلها اخترنا ما اخترنا من ذلك.
فأما تأويل جميع الوجوه التي ذكرنا أن القراء قرأت بها فمتقارب، ومعنى ذلك كله:
القيم بحفظ كل شئ ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص. كما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى بن ميمون، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه: * (الحي القيوم) * قال: القائم على كل شئ.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: * (القيوم) * قيم على كل شئ يكلؤه ويحفظه ويرزقه.
وقال آخرون: معنى ذلك القيام على مكانه، ووجهوه إلى القيام الدائم الذي لا زوال معه ولا انتقال، وأن الله عز وجل إنما نفى عن نفسه بوصفها بذلك التغير والتنقل من مكان إلى مكان وحدوث التبدل الذي يحدث في الآدميين وسائر خلقه غيرهم. ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عمر بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: * (القيوم) * القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول، وقد زال عيسى في قولهم - يعني في قول الأحبار الذين حاجوا النبي (ص) من أهل نجران في عيسى - عن مكانه الذي كان به وذهب عنه إلى غيره.