فإذا كان المتشابه هو ما وصفنا، فكل ما عداه فمحكم، لأنه لن يخلو من أن يكون محكما بأنه بمعنى واحد لا تأويل له غير تأويل واحد، وقد استغني بسماعه عن بيان مبينه، أو يكون محكما، وإن كان ذا وجوه وتأويلات وتصرف في معان كثيرة، فالدلالة على المعنى المراد منه إما من بيان الله تعالى ذكره عنه أو بيان رسوله (ص) لامته، ولن يذهب علم ذلك عن علماء الأمة لما قد بينا.
القول في تأويل قوله تعالى: * (هن أم الكتاب) *.
قد أتينا على البيان عن تأويل ذلك بالدلالة الشاهدة على صحة ما قلنا فيه، ونحن ذاكرو اختلاف أهل التأويل فيه. وذلك أنهم اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله:
* (هن أم الكتاب) * هن اللائي فيهن الفرائض والحدود والاحكام، نحو قيلنا الذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر أنه قال في هذه الآية: * (محكمات هن أم الكتاب) * قال يحيى: هن اللاتي فيهن الفرائض والحدود وعماد الدين، وضرب لذلك مثلا فقال: أم القرى مكة، وأم خراسان مرو، وأم المسافرين الذين يجعلون إليه أمرهم، ويعنى بهم في سفرهم، قال: فذاك أمهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: * (هن أم الكتاب) * قال: هن جماع الكتاب.
وقال آخرون: بل معني بذلك فواتح السور التي منها يستخرج القرآن. ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا إسحاق بن سويد، عن أبي فاختة أنه قال في هذه الآية: * (منه آيات محكمات هن أم الكتاب) * قال: أم الكتاب: فواتح السور، منها يستخرج القرآن، * (ألم ذلك الكتاب) * منها استخرجت البقرة، و * (ألم الله لا إله إلا هو) * منها استخرجت آل عمران.