عقله عن احتماله، فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو ترك منه لما أمر بفعله، فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله عليه، فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك:
* (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) * وهو النسيان الذي قال جل ثناؤه:
* (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا) * فرغبة العبد إلى الله عز وجل بقوله: * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطا منه فيه وتضييعا، كفرا بالله عز وجل، فإن ذلك إذا كان كفرا بالله فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة، لان الله عز وجل قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسألته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله خطأ، وإنما يكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه، وعن قراءته، ومثل نسيانه صلاة أو صياما، باشتغاله عنهما بغيرهما حتى ضيعهما. وأما الذي العبد به غير مؤاخذ لعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ما وكل بمراعاته، فإن ذلك من العبد غير معصية، وهو به غير آثم، فذلك الذي لا وجه لمسألة العبد ربه أن يغفره له، لأنه مسألة منه له أن يغفر له ما ليس له بذنب، وذلك مثل الامر يغلب عليه، وهو حريص على تذكره وحفظه، كالرجل يحرص على حفظ القرآن بجد منه، فيقرؤه، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه، ولكن بعجز بنيته عن حفظه وقلة احتمال عقله، ذكر ما أودع قلبه منه وما أشبه ذلك من النسيان، فإن ذلك مما لا يجوز مسألة الرب مغفرته، لأنه لا ذنب للعبد فيه، فيغفر له باكتسابه. وكذلك للخطأ وجهان: أحدهما: من وجه ما نهي عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة، فذلك خطأ منه، وهو به مأخوذ، يقال منه: خطئ فلان وأخطأ فيما أتى من الفعل، وأثم إذا أتى ما يتأثم فيه وركبه، ومنه قول الشاعر:
الناس يلحون الأمير إذا هم * خطئوا الصواب ولا يلام المرشد يعني: أخطأوا الصواب. وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه، إلا ما كان من ذلك كفرا. والآخر منهما: ما كان عنه على وجه الجهل به والظن