منه، بأن له فعله، كالذي يأكل في شهر رمضان ليلا، وهو يحسب أن الفجر لم يطلع، أو يؤخر صلاة في يوم غيم وهو ينتظر بتأخيره إياها دخول وقتها فيخرج وقتها وهو يرى أن وقتها لم يدخل، فإن ذلك من الخطأ الموضوع عن العبد الذي وضع الله عز وجل عن عباده الاثم فيه، فلا وجه لمسألة العبد ربه أن يؤاخذه به، وقد زعم قوم أن مسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه بما نسي أو أخطأ، إنما هو فعل منه لما أمره به ربه تبارك وتعالى، أو لما ندبه إليه من التذلل له والخضوع بالمسألة، فأما على وجه مسألته الصفح، فما لا وجه له عندهم وللبيان عن هؤلاء كتاب سنأتي فيه إن شاء الله على ما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) *.
(يعني بذلك جل ثناؤه: قولوا: ربنا لا تحمل علينا إصرا: يعني بالإصر: العهد، كما قال جل ثناؤه: * (قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) *. وإنما عنى بقوله: * (ولا تحمل علينا إصرا) *: ولا تحمل علينا عهدا، فنعجز عن القيام به ولا نستطيعه، * (كما حملته على الذين من قبلنا) * يعني على اليهود والنصارى الذين كلفوا أعمالا وأخذت عهودهم ومواثيقهم على القيام بها، فلم يقوموا بها، فعوجلوا بالعقوبة. فعلم الله عز وجل أمة محمد (ص) الرغبة إليه بمسألته أن لا يحملهم من عهوده ومواثيقه على أعمال إن ضيعوها أو أخطأوا فيها أو نسوها مثل الذي حمل من قبلهم، فيحل بهم بخطئهم فيه وتضييعهم إياه مثل الذي أحل بمن قبلهم.) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: * (لا تحمل علينا إصرا) * قال: لا تحمل علينا عهدا وميثاقا، * (كما حملته على الذين من قبلنا) * يقول: كما غلظ على من قبلنا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن مجاهد في قوله: * (ولا تحمل علينا إصرا) * قال: عهدا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: * (إصرا) * قال: عهدا.