وجب لهم قبلهم وقد تقابضوا الواجب لهم عليهم، فلذلك قال تعالى ذكره: * (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) * لا أجل فيها ولا تأخير ولا نساء، * (فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها) * يقول: فلا حرج عليكم أن لا تكتبوها، يعني التجارة الحاضرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قوله: * (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم) * يقول: معكم بالبلد ترونها فتؤخذ وتعطى، فليس على هؤلاء جناح أن لا يكتبوها.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: * (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) * إلى قوله: * (فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها) * قال: أمر الله أن لا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله، وأمر ما كان يدا بيد أن يشهد عليه صغيرا كان أو كبيرا ورخص لهم أن لا يكتبوه.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق وعامة القراء: إلا أن تكون تجارة حاضرة بالرفع، وانفرد بعض قراء الكوفيين فقرأه بالنصب. وذلك وإن كان جائزا في العربية، إذ كانت العرب تنصب النكرات والمنعوتات مع كان، وتضمر معها في كان مجهولا، فتقول: إن كان طعاما طيبا فأتنا به، وترفعها فتقول: إن كان طعام طيب فأتنا به، فتتبع النكرة خبرها بمثل إعرابها. فإن الذي أختار من القراءة، ثم لا أستجيز القراءة بغيره، الرفع في التجارة الحاضرة، لاجماع القراء على ذلك، وشذوذ من قرأ ذلك نصبا عنهم، ولا يعترض بالشاذ على الحجة. ومما جاء نصبا قول الشاعر:
أعيني هل تبكيان عفاقا * إذا كان طعنا بينهم وعناقا