ألزمهم شهادتهم عليه اسم الشهداء، فأما قبل أن يستشهدوا على شئ فغير جائز أن يقال لهم شهداء، لان ذلك الاسم لو كان يلزمهم ولما يستشهدوا على شئ يستوجبون بشهادتهم عليه هذا الاسم لم يكن على الأرض أحد له عقل صحيح إلا وهو مستحق أن يقال له شاهد، بمعنى أنه سيشهد، أو أنه يصلح لان يشهد وإن كان خطأ أن يسمى بذلك الاسم إلا من عنده شهادة لغيره، أو من قد قام بشهادته، فلزمه لذلك هذا الاسم، كان معلوما أن المعني بقوله:
* (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) * من وصفنا صفته ممن قد استرعى شهادة أو شهد، فدعي إلى القيام بها، لان الذي لم يستشهد ولم يسترع شهادة قبل الاشهاد غير مستحق اسم شهيد ولا شاهد، لما قد وصفنا قبل. مع أن في دخول الألف واللام في الشهداء دلالة واضحة على أن المسمى بالنهي عن ترك الإجابة للشهادة أشخاص معلومون قد عرفوا بالشهادة، وأنهم الذين أمر الله عز وجل أهل الحقوق باستشهادهم بقوله: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) *. وإذا كان ذلك كذلك، كان معلوما أنهم إنما أمروا بإجابة داعيهم لإقامة شهادتهم بعد ما استشهدوا فشهدوا، ولو كان ذلك أمرا لمن أعرض من الناس فدعي إلى الشهادة يشهد عليها لقيل: ولا يأب شاهد إذا ما دعي. غير أن الامر وإن كان كذلك، فإن الذي نقول به في الذي يدعى لشهادة ليشهد عليها إذا كان بموضع ليس به سواه ممن يصلح للشهادة، فإن الفرض عليه إجابة داعيه إليها كما فرض على الكاتب إذا استكتب بموضع لا كاتب به سواه، ففرض عليه أن يكتب، كما فرض على من كان بموضع لا أحد به سواه يعرف الايمان وشرائع الاسلام، فحضره جاهل بالايمان وبفرائض الله فسأله تعليمه، وبيان ذلك له أن يعلمه ويبينه له. ولم نوجب ما أوجبنا على الرجل من الإجابة للشهادة إذا دعي ابتداء ليشهد على ما أشهد عليه بهذه الآية، ولكن بأدلة سواها، وهي ما ذكرنا. وقد فرضنا على الرجل إحياء ما قدر على إحيائه من حق أخيه المسلم. والشهداء: جمع شهيد.) القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) *. ( يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تسأموا أيها الذين تداينون الناس إلى أجل أن تكتبوا صغير الحق، يعني قليله أو كبيره - يعني أو كثيره - * (إلى أجله) *، إلى أجل الحق، فإن الكتاب أحصى للأجل والمال.) حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شريك عن ليث، عن مجاهد: * (ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) * قال: هو الدين.