وجدير بالملاحظة أن هذه الآية تعبر عن خلق الإنسان بالإنشاء، والكلمة لغويا تعني الإيجاد والإبداع مع التربية، أي أن الله قد خلقكم وتعهد بتربيتكم، ومن الواضح أن الخالق الذي يخلق شيئا ثم يهمله لا يكون قد أبدى قدرة فائقة، ولكنه إذا استمر في العناية بمخلوقاته وحمايتها، ولم يغفل عن تربيتها لحظة واحدة، عندئذ يكون قد أظهر حقا عظمته وسعة رحمته.
بهذه المناسبة ينبغي ألا نتوهم من قراءة هذه الآية، أن أمنا الأولى حواء قد خلقت من آدم (كما جاء في الفصل الثاني من سفر التكوين من التوراة)، ولكن آدم وحواء خلقا من تراب واحد، وكلاهما من جنس واحد ونوع واحد، لذلك قال: إنهما خلقا من نفس واحدة، وقد بحثنا هذا الموضوع في بداية تفسير سورة النساء.
ثم يقول: إن فريقا من البشر " مستقر " وفريقا آخر " مستودع " فمستقر ومستودع.
" المستقر " أصله من " القر " (بضم القاف) بمعنى البرد، ويقتضي السكون والتوقف عن الحركة، فمعنى " مستقر " هو الثابت المكين.
و " مستودع " من " ودع " بمعنى ترك، كما تستعمل بمعنى غير المستقر، والوديعة هي التي يجب أن تترك عند من أودعت عنده لتعود إلى صاحبها.
يتضح من هذا الكلام أن الآية تعني أن الناس بعض " مستقر " أي ثابت، وبعض " مستودع " أي غير ثابت، أما المقصود من هذين التعبيرين، فالكلام كثير بين المفسرين، وبعض التفاسير تبدو أقرب إلى الآية كما أنها لا تتعارض فيما بينها.
من هذه التفاسير القول بأن " مستقر " صفة الذين كمل خلقهم ودخلوا " مستقر الرحم " أم مستقر وجه الأرض، و " المستودع " صفة الذين لم يكتمل خلقهم بعد وإنما هو ما يزالون نطفا في أصلاب آبائهم.