باب الفرض والاحتمال حتى يفكر في الأمر، وهذا يشبه تماما حالنا ونحن نحاول أن نعثر على سبب حادثة ما، فنقلب مختلف الاحتمالات والإفتراضات على وجوهها واحدة واحدة، ونستقصي لوازم كل فرضية حتى نعثر على العلة الحقيقية، وهذا لا يكون كفرا، بل ولا حتى دليلا على عدم الإيمان، بل هو طريق لتحقيق أكثر ولمعرفة أفضل، للوصول إلى مراحل أعلى من الإيمان، كما فعل إبراهيم في مسألة " المعاد " إذ قام بمزيد من الدراسة يوصل إلى مرحلة الشهود والاطمئنان.
جاء في تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر أو الصادق (عليهما السلام) أنه قال: " إنما كان إبراهيم طالبا لربه، ولم يبلغ كفرا، وانه من فكر من الناس في مثل ذلك فإنه بمنزلته " (1).
وهنالك روايتان أخريان يذكرهما تفسير نور الثقلين بهذا الشأن.
أما التفسير الثاني فيقول: إن إبراهيم كان يقول هذا الكلام أثناء مخاطبته عبدة النجوم والشمس، ويحتمل أن يكون ذلك بعد مخاصماته الشديدة في بابل مع عبدة الأوثان وخروجه منها إلى الشام، حيث التقى بهؤلاء الأقوام، وإبراهيم الذي كان قد خبر عناد الأقوام الجاهلة في بابل وخطأ تفكيرهم، أراد أن يجلب إليه انتباه عبدة الكواكب والشمس والقمر، فأظهر في البداية أنه معهم وقال لهم:
إنكم تقولون: إن كوكب الزهرة هذا هو ربي، حسنا، فلنر ما يحصل لهذا الاعتقاد في النهاية، ولم يمض وقت طويل حتى اختفى وجه الكوكب النير خلف ستار الأفق المظلم، عندئذ إتخذ إبراهيم من هذا الأفول سلاحا يواجههم به فقال: أنا لا يمكنني أن أتقبل معبودا كهذا.
وعليه، فإن عبارة هذا ربي تعني: هذا ما تعتقدون أنه ربي، أو أنه قالها بلهجة الاستفهام: " هذا ربي؟ ".