من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون.
أما كان من الأجدر بهؤلاء أن يستيقظوا عندما جاءهم البأس وأحاطت بهم الشدائد؟! فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا أنهم لم يستيقظوا، ولذلك سببان:
الأول: إنهم لكثرة آثامهم وعنادهم في الشرك زايلت الرحمة قلوبهم والليونة أرواحهم: ولكن قست قلوبهم والثاني: إن الشيطان قد استغل عبادتهم أهواءهم فزين في نظرهم أعمالهم، فكل قبيح ارتكبوه أظهره لهم جميلا، ولكل خطأ فعلوه جعله في عيونهم صوابا:
وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
ثم تذكر الآية الثانية أنه لما لم تنفع معهم تلك المصائب والمشاكل والضغوط عاملهم الله تعالى بالعطف والرحمة، ففتح عليهم أبواب أنواع النعم، لعلهم يستيقظون ويلتفتون إلى خالقهم الذي وهب لهم كل تلك النعم، ويشخصوا الطريق السوي: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ.
إلا أن هذه النعم كانت في الواقع ذات طابع مزدوج، فهي مظهر من مظاهر المحبة التي تستهدف إيقاظ النائمين، وهي كذلك مقدمة لنزول العذاب الأليم إذا استمرت الغفلة، والذي ينغمس في النعمة والرفاهية، يشتد عليه الأمر حين تؤخذ منه هذه النعم فجأة، بينما لو أخذت منه بالتدريج، فلا يكون وقع ذلك عليه شديدا، ولهذا يقول إننا أعطيناهم الكثير من النعم حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (1).
وهكذا استؤصلت جذور أولئك الظلمة وانقطع نسلهم: فقطع دابر القوم