وحتى لو تدفق ينبوع الماء الزلال عند عتبات بيوتهم لأعرضوا عنه ولما نظروا إليه ... وكذلك فهم يعرضون عن آيات " ربهم " النازلة لتربيتهم وتكاملهم.
مثل هذه النفسية لا يقتصر وجودها على عهود الجاهلية ومشركي العرب، فاليوم أيضا نجد من بلغ الستين من عمره ومع ذلك لم يجشم نفسه عناء ساعة واحدة من البحث والتحقيق في الله والدين، وإن وقع بيده كتاب أو بحث في هذا الموضوع لم ينظر إليه، وإن تحدث إليه أحد بهذا الشأن لم يصغ إليه، هؤلاء هم الجهلاء المعاندون الغافلون الذين قد يظهرون أحيانا أمام الناس بمظهر العالم المتجبر!
ثم تشير الآية إلى نتيجة أعمالهم، وهي: أنهم عندما رأوا الحقيقة كذبوها، ولو أنهم دققوا في آيات الله جيدا لرأوا الحقيقة وأدركوها وآمنوا بها: فقد كذبوا بالحق لما جاءهم، ولسوف تصلهم نتيجة هذا التكذيب والسخرية: فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون.
في هاتين الآيتين إشارة إلى ثلاث مراحل من الكفر تتزايد في الشدة على التوالي، المرحلة الأولى هي مرحلة الإعراض، ثم مرحلة التكذيب، وأخيرا مرحلة الاستهزاء بآيات الله.
يدل هذا على أن الإنسان في كفره لا يتوقف في مرحلة واحدة، بل يزداد باستمرار إنكارا للحق وعداوة له وابتعادا عن الله.
المقصود من التهديد المذكور في آخر الآية أن أوزار عدم الإيمان ستحيق بهم عاجلا أو آجلا في الدنيا والآخرة، والآيات التالية تؤكد هذا التفسير.
* * *