الأنهار تجري من تحتهم.
ولكنهم لما استمروا على طريق الطغيان، لم تستطع هذه الإمكانات إنقاذهم من العقاب الإلهي: فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين.
أفلا ينبغي أن يكون علمهم بمصائر الماضين عبرة لهم، توقظهم من نوم غفلتهم، ومن سكرتهم؟ أليس الله الذي أهلك السابقين بقادر على أن يهلك هؤلاء أيضا؟
ها هنا بضع نقاط نلفت إليها الانتباه:
1 - على الرغم من أن " قرن " تعني فترة طويلة من الزمن (مئة، أو سبعين أو ثلاثين سنة)، ولكنها قد تعني أيضا - كما يقول اللغويون - القوم والجماعة في زمان معين (القرن من الاقتران بمعنى التقارب، وبالنظر لأن أهل العصر الواحد أو العصور المتقاربة قريبون من بعضهم فقد يطلق عليهم وعلى زمانهم اسم القرن).
2 - يتكرر في القرآن القول بأن الإمكانات المادية الكثيرة تبعث على الغرور والغفلة لدى ضعفاء النفس من الناس كقوله تعالى: إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى (1) لأنهم بتوفر تلك الإمكانات عندهم يرون أنفسهم في غنى عن الله، غافلين عن العناية الإلهية والإمدادات الربانية المغدقة عليهم في كل لحظة وثانية، ولولاها لما استمروا على قيد الحياة.
3 - ليس هذا التحذير مختصا بعبدة الأصنام، فالقرآن يخاطب - أيضا - اليوم العالم الصناعي الثري الذي أثملته الإمكانات المادية وملأته بالغرور، ويحذره من نسيان الأقوام السابقة ومما حاق بهم نتيجة ما ارتكبوه من ذنوب، وكأني بالقرآن يقول للمغرورين في عالمنا اليوم: إنكم ستفقدون كل شئ بانطلاق شرارة حرب عالمية أخرى، لتعودوا إلى عصر ما قبل التمدن الصناعي اعلموا أن سبب تعاسة أولئك لم يكن شيئا سوى إثمهم وظلمهم واضطهادهم الناس وعدم إيمانهم