وأخيرا كان من نعمي عليك بأن منعت عنك أذي بني إسرائيل يوم قام الكافرون منهم بوجهك ووسموا ما تفعل بأنه السحر، فدفعت أذى أولئك المعاندين اللجوجين عنك وحفظتك حتى تسير بدعوتك: وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبيانات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين.
يستلفت النظر في هذه الآية أنها تكرر " باذني " أربع مرات لكيلا يبقى مكان للغلو في المسيح (عليه السلام) وادعاء الألوهية له، أي أن ما كان يحققه المسيح (عليه السلام) بالرغم من إعجازه وإثارته الدهشة ومشابهته للأفعال الإلهية، لم يكن ناشئا منه، بل كان من الله وباذنه، فما كان عيسى سوى عبد من عبيد الله، مطيع لأوامره، وما كان له إلا ما يستمده من قوة الله الخالدة.
وقد يسأل سائل: إن كانت هذه النعم كلها قد أسبغت على عيسى (عليه السلام) فلماذا تعتبر الآية هذه النعم قد أسبغت على أمه أيضا؟
لا شك أن كل موهبة تصل الابن تكون قد وصلت الأم أيضا، فكلاهما من أصل واحد، ومن شجرة واحدة.
وكما ذكرنا في ذيل الآية (49) من سورة آل عمران، فإن هذه الآية والآيات المشابهة دلائل على ولاية أولياء الله التكوينية، ففي تاريخ حياة المسيح (عليه السلام) ينسب إليه إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، ولكن بأمر الله وإذنه.
يتضح من هذا أن من الممكن أن ينعم الله على من يشاء قدرة كهذه تمكنه من التصرف بعالم التكوين والقيام بأمثال هذه الأعمال أحيانا، إن تفسير هذه الآية بأنها تشير إلى دعاء الأنبياء واستجابة الله لدعائهم هو خلاف ظاهر الآية، وأن ما نقصده بولاية أولياء الله التكوينية هو هذا الذي قلناه آنفا، إذ ليس ثمة دليل على أكثر من هذا المقدار (انظر تفسير سورة آل عمران الآية (49) لمزيد من التوضيح).