إن هذا السلوك الحربائي في التلون المتوالي، إما أن يكون نابعا من الجهل وعدم إدراك الأسس الإسلامية، وإما أن يكون خطة نفذها المنافقون والكفار المتطرفون من أهل الكتاب لزعزعة إيمان المسلمين الحقيقيين، وقد سبق شرح هذا الموضوع في الآية (72) من سورة آل عمران.
ولا تدل الآية - موضوع البحث - على عدم قبول توبة أمثال هؤلاء، ولكنها تتناول أفرادا يموتون وهم في كفر شديد، فإن هؤلاء - نتيجة لأعمالهم - لا يستحقون العفو والهداية إلا إذا غيروا اسلوبهم ذلك.
ثم تؤكد الآية التالية نوع العذاب الذي يستحقه هؤلاء فتقول: بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما.
واستخدام عبارة (بشر) في الآية إنما جاء من باب التهكم والاستهزاء بالأفكار الخاوية الواهية التي يحملها هؤلاء المنافقون، أو أن العبارة مشتقة من المصدر " بشر " بمعنى الوجه، وفي هذه الحالة تحتمل معاني واسعة فتشمل كل خبر يؤثر في سحنة الإنسان، سواء كان الخبر مفرحا أو محزنا.
وقد أشارت الآية الأخيرة إلى المنافقين بأنهم يتخذون الكفار أصدقاءا وأحباءا لهم بدلا من المؤمنين، بقولها: الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين.
ثم يأتي التساؤل في الآية عن هدف هؤلاء المنافقين من صحبة الكافرين، وهل أنهم يريدون حقا أن يكتسبوا الشرف والفخر عبر هذه الصحبة؟ تقول الآية:
أيبتغون عندهم العزة بينما العزة والشرف كلها لله فإن العزة لله جميعا لأنها تنبع من العلم والقدرة، وأن الكفار لا يمتلكون من القوة والعلم شيئا، ولذلك فإن علمهم لا شئ أيضا، ولا يستطيعون إنجاز شئ لكي يصبحوا مصدرا للعزة والشرف.
إن هذه الآية - في الحقيقة - تحذير للمسلمين بأن لا يلتمسوا الفخر والعزة