مجتمعهم آنذاك، وقد تحولوا بفضل الإسلام إلى مجتمع يسوده الاتحاد والتماسك والعلم، ويرفل بالنعم والإمكانيات المادية والمعنوية الزاخرة.
بعد هذا تعيد الآية إلى الأذهان ذلك العهد الذي بين البشر وبين الله، فتقول وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا....
هناك احتمالان حول المعنى المراد بلفظة " العهد " الواردة في الآية وموضوعه.
الاحتمال الأول: أن يكون هو ذلك العهد الذي عقده المسلمون في بداية ظهور الإسلام في واقعة " الحديبية " أو واقعة " حجة الوداع " أو " العقبة " مع الله، أو بصورة عامة هو العقد الذي عقده جميع المسلمين بصورة ضمنية مع الله بمجرد قبولهم الإسلام.
والاحتمال الثاني: هو أن يكون العهد المقصود في الآية الكريمة الأخيرة هو ذلك العهد المعقود بين كل فرد إنساني - بحكم فطرته وخلقه - وبين الله، والذي يقال عنه بأنه تم في " عالم الذر " (1).
وبيان ذلك هو أن الله حين خلق الإنسان أودع فيه استعدادات ومواهب كثيرة، ومنها نعمة العلم التي بها يتتبع أسرار الخليقة، وتتحقق لديه معرفة الحق، وكذلك نعم كالعقل والذكاء والإدراك ليعرف الإنسان بها أنبياء الله ويلتزم بأوامرهم، والله سبحانه حين أودع هذه النعم لدى الإنسان أخذ منه عهدا بأن يستغلها خير استغلال، وأن لا يهملها أو يسئ استعمالها، فرد الإنسان بلسان الحال والاستعداد " سمعنا وأطعنا ".
ويعتبر هذا العهد أوسع وأحكم وأعم عهد أخذه الله من عباده البشر، وهذا هو العهد الذي يشير إليه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في خطبته الأولى الواردة في كتاب " نهج البلاغة " بقوله: " ليستأدوهم ميثاق فطرته " أي ليطلب منهم أداء