وقد اختلف المفسرون في أي المعنيين أقرب إلى مفهوم الآية موضوع البحث.
فرأى البعض منهم أن المعنى الثاني أقرب لحقيقة هذه الآية، لأن إبراهيم (عليه السلام) كان يؤمن بأنه محتاج إلى الله في كل شؤونه بدون استثناء، ولكن مفسرين آخرين يرون أنه ما دامت الآية تتحدث عن منزلة وهبها الله لنبيه إبراهيم فالمقصود بكلمة " الخليل " الواردة هو " الصديق " لأننا لو قلنا أن الله قد انتخب إبراهيم صديقا له، يكون أقرب كثيرا إلى الذهن من قولنا أن الله انتخب إبراهيم ليكون محتاجا إليه. لأن الحاجة إلى الله لا تقتصر على إبراهيم وحده، بل يشاركه ويساويه فيها جميع المخلوقات، فالكل محتاجون إلى الله دون استثناء، وكان تقول الآية (15) من سورة فاطر: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وهذا على عكس الصداقة والخلة مع الله التي لا يتساوى فيها كل المخلوقات.
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " أنه (الله) إنما اتخذ إبراهيم خليلا لطاعته ومسارعته إلى رضاه لا لحاجة منه سبحانه إلى خلته " وتدل هذه الرواية (1) أيضا بأن عبارة " خليل " الواردة في الآية المذكورة إنما تعني الصديق ولا تعني غيره.
وعلى هذا الأساس لنرى ما الذي امتاز به إبراهيم لينال هذه المنزلة العظيمة من الله، لقد ذكرت الروايات الواردة في هذا المجال عللا مختلفة تكون بمجملها دليلا لهذا الانتخاب، ومن هذه الروايات قول الإمام الصادق (عليه السلام) " إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا غير الله " (2).
وتفيد روايات أخرى أن إبراهيم قد حاز هذه الدرجة لكثرة سجوده لله، وإطعامه للجياع وإقامة صلاة الليل، أو لسعيه في طريق مرضاة الله وطاعته.