الثانية: إن النجاحات المادية التي يحرزها بعض العصاة والفاسقين إنما هي لكونهم لا يتقيدون في جمع الثروة بأي قيد أو شرط، فهم يجمعون المال من كل سبيل، سواء كان مشروعا أم غير مشروع، حراما كان أم حلالا، بل إنهم يجوزون لأنفسهم اكتناز الثروة حتى على حساب الضعفاء والفقراء وامتصاص دمائهم، في حين يتقيد المؤمنون بمبادئ الحق والعدالة في هذا المجال، فلا يسوغون لأنفسهم بأن يكتسبوا المال من أي طريق كان، وأي سبيل اتفق، ولهذا لا يمكن (أو لا تصح) المقارنة والمقايسة بين هؤلاء وهؤلاء.
هؤلاء يشعرون بالمسؤولية الثقيلة، وأولئك لا يشعرون بأية مسؤولية، ولا يعترفون بأي ضابطة، وحيث إن الحياة الحاضرة حياة الإرادة البشرية الحرة، وعالم الاختيار الحر، كان طبيعيا أن يترك الله سبحانه كلتا الطائفتين أحرارا ليتصرفوا كيف شاؤوا، ولينتهوا في المآل إلى نتائج أعمالهم التي اكتسبوها بأيديهم، وهو ما يقصده ويعنيه سبحانه، بقوله في ختام هذه الآية: ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد.
3 معرفة نقاط الضعف والقوة معا:
ثم أن هناك سببا آخر لتقدم ونجاح بعض الكفار والفاسقين، وتأخر بعض المؤمنين هو أن الطائفة الأولى رغم خلوهم من عنصر الإيمان يتحلون - أحيانا - ببعض نقاط القوة التي يحققون في ظلها ما يحققون من المكاسب، ويحرزون ما يحرزون من النجاحات، فيما تعاني الطائفة الثانية من نقاط ضعف توجب تأخرهم وانحطاطهم.
فنحن نعرف أشخاصا - رغم انقطاعهم عن الله - يتسمون بالجدية الكبيرة في أعمالهم، ويتحلون بالاستقامة والعزم، والتنسيق والتعاون فيما بينهم، والمعرفة بقضايا العصر ومتطلباته، ومقتضياته ومستجداته، ومن الطبيعي أن يحقق هؤلاء