التفسير الأول.
وذلك - كما أوضح الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية التي أوردناها أعلاه - لأن أهل الكتاب لا يراعون الشروط الإسلامية في ذبائحهم، فهم لا يذكرون اسم الله على الذبيحة، ولا يوجهونها صوب القبلة أثناء ذبحها، كما أنهم لا يلتزمون برعاية الشروط الأخرى - فهل يعقل أن تحرم الآية السابقة - وبصورة صريحة - لحم الحيوان المذبوح بهذه الطريقة، وتأتي آية أخرى بضدها لتحلله؟!
وترد على الذهن في هذا المجال أسئلة نلخصها فيما يلي:
1 - لو كان المقصود بالطعام سائر الأغذية ما عدا لحوم ذبائح أهل الكتاب، فإن هذه الأغذية كانت حلالا من قبل، ولا فرق بين وجودها في أيدي أهل الكتاب أو غيرهم، فهل كان شراء الحبوب والغلات من أهل الكتاب قبل نزول هذه الآية شيئا مخالفا للشرع، في حين أن المسلمين كانوا دائما يتعاطون مع أهل الكتاب شراء وبيع هذه الأشياء؟!
إذا توجهنا إلى نقطة أساسية في الآية الكريمة، يتوضح لنا بجلاء جواب هذا السؤال، فالآية الأخيرة - هذه - نزلت في زمن كان للإسلام فيه السلطة الكاملة على شبه الجزيرة العربية وقد أثبت الإسلام وجوده في كل الساحات والميادين على طول هذه الجزيرة وعرضها، بحيث أن أعداء الإسلام قد تملكهم اليأس التام لعجزهم عن دحر المسلمين، ولذلك اقتضت الضرورة - في مثل هذا الظرف المناسب للمسلمين - أن ترفع القيود والحدود التي كانت مفروضة قبل هذا في مجال مخالطة المسلمين لغيرهم، حيث كانت هذه القيود تحول دون تزاور المسلمين مع الغير.
لذلك نزلت هذه الآية الكريمة وأعلنت تخفيف قيود التعامل والمعاشرة مع أهل الكتاب، بعد أن ترسخت قواعد وأساس الحكومة الإسلامية، ولم يعد هناك ما يخشى منه من جانب غير المسلمين، فسمحت الآية بالتزاور بين المسلمين